کد مطلب:280441 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:153

اضواء علی الساحة بعد وفاة النبی
كان الساحة بعد وفاة النبی (ص) بها جمیع الأنماط البشریة، بها المؤمن القوی والمؤمن الضعیف، وبها الذین فی قلوبهم مرض أو زیغ، وهؤلاء لا یخلو منهم مجتمع علی امتداد المسیرة البشریة.

وكان الذین فی قلوبهم مرض یختزنون فی ذاكرتهم ببعض ما أخبر به النبی (ص) فیما یستقبل الناس، ومنه تفسیره لقوله تعالی: (وجاهدوا فی الله حق جهاده) [1] وقوله: (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) [2] وقوله تعالی: (ألم تر إلی الذین بدلوا نعمة الله كفرا)، [3] وقول النبی القرشی یا معشر قریش، لیبعثن الله علیكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإیمان، فیضرب رقابكم علی الدین فقال أبو بكر: أنا هو یا رسول الله؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو یا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل، وقد كان ألقی نعله إلی علی بن أبی طالب یخصفها. [4] .



[ صفحه 301]



وكان بالساحة أفرادا وقبائل ذمهم أو لعنهم الله تعالی علی لسان رسوله (ص) وهو یخبر بالغیب عن ربه لما یعلم الله ما فی قلوبهم، ومنه أمره (ص) بجهاد مخزوم وعبد شمس [5] وقوله إن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمیة وبنو المغیرة وبنو مخزوم [6] وفی روایة: بنو أمیة وثقیف وبنو حنیفة [7] ولعنه للحكم بن أبی العاص [8] ولعنه أبو الأعور السلمی [9] ولعنه لأحیاء: لحیان ورعلا وذكوان وعصیة [10] وكان بالساحة مجموعة تخریبیة من اثنی عشر رجلا، حاولوا قتل النبی (ص) عند عودته من تبوك.

آخر غزواته، وأسر النبی (ص) بأسمائهم إلی حذیفة، وكان حذیفة وعمار بن یاسر معه (ص) عند محاولة هذه المجموعة اغتیاله، وروی أن حذیفة قال: یا رسول الله ألا تبعث إلی كل رجل منهم فتقتله، فقال: أكره أن یتحدث الناس أن محمدا یقتل أصحابه، وقال النبی (ص) لحذیفة فإن هؤلاء فلانا وفلانا (حتی عدهم) منافقون لا تخبرن أحد، [11] وعدم إفشاء النبی (ص) بأسمائهم یستنتج منه. أن هذه المجموعة لم تكن من رعاع القوم وإنما من أشد الناس فتكا، وقتلهم یؤدی إلی طرح ثقافة یتناقلها



[ صفحه 302]



الناس بأن محمدا فی آخر أیامه بدأ یقتل أصحابه، ویستنتج منه أیضا أن الله تعالی شاء أن تنطلق المسیرة تحت مظلة الامتحان والابتلاء، بعد أن تبینت طریق الحق وطریق الباطل، وإخفاء أسماء المجموعة التخریبیة هو فی حقیقته دعوة للالتفاف حول الذین بینهم وأظهرهم رسول الله للناس. وروی الإمام مسلم عن حذیفة أنه قال أشهد الله أن اثنی عشر منهم حرب لله ولرسوله فی الحیاة الدنیا ویوم یقوم الأشهاد، [12] وروی عن عمار بن یاسر أنه قال قال رسول الله (ص): إن فی أمتی اثنی عشر منافقا لا یدخلون الجنة ولا یجدون ریحها حتی یلج الجمل فی سم الخیاط، [13] وكان عمار بن یاسر علامة ممیزة فی المسیرة لأنه كان یحمل قول النبی (ص) فیه ویح عمار تقتله الفئة الباغیة، یدعوهم إلی الجنة ویدعونه إلی النار. [14] .

فالساحة بعد وفاة النبی (ص) كان بها جمیع التیارات، وكان بها مجموعة حرب لله ولرسوله فی الحیاة الدنیا، ویبدو من قراءة الأحداث أن الساحة كان بها مجموعة من أصحابه أخذت فی اعتبارها أن ولایة علی بن أبی طالب قد تؤدی إلی أحداث اعتقدوا أنها یمكن أن تعصف بالدعوة، فاختاروا حلا وسطا ویبتعد به علی بن أبی طالب عن مركز الصدارة، وتظل به الدعوة قائمة، ویشهد بذلك قول أبی بكر رضی الله عنه لرافع بن أبی رافع حین عاتبه علی تولیه الخلافة إن رسول الله (ص) قبض والناس حدیثو عهد بكفر فخفت أن یرتدوا وأن یختلفوا فدخلت فیها وأنا كاره [15] وفی روایة قال تخوفت أن تكون فتنة یكون بعدها



[ صفحه 303]



ردة [16] ویشهد به أیضا قول عمر بن الخطاب أثناء خلافته إن بیعة أبی بكر كانت فلتة، [17] قال فی لسان العرب: یقال كان ذلك الأمر فلتة. أی فجأة إذا لم یكن عن تدبر ولا ترو، والفلتة: الأمر یقع من غیر إحكام، وفی حدیث عمر. أراد فجأة وكانت كذلك لأنها لم ینتظر بها العوام، وقال ابن الأثیر فی حدیث عمر: والفلتة كل شئ فعل من غیر رویة، وإنما بودر بها خوف انتشار الأمر. [18] .

ویشهد به قول عمر لابن عباس: یا ابن عباس ما منع قومكم منكم؟ قال: لا أدری، قال: لكنی أدری یكرهون ولایتكم لهم. یكرهون أن تجتمع فیكم النبوة والخلافة، [19] وزاد فی روایة: فاختارت قریش لنفسها فأصابت ووفقت. [20] .

وروی أن عمر بن الخطاب عندما اختلف بعض الأنصار مع بعض المهاجرین فی سقیفة بنی ساعدة، علی من الذی یتولی الخلافة ومن یتولی الوزارة، أمر عمر بقتل مرشح الأنصار سعد بن عبادة، وذلك حینما اشتد الخلاف وتشابكوا بالأیدی، روی الطبری: قال ناس من أصحاب سعد: إتقوا سعد ألا تطؤه، فقال عمر: إقتلوه إقتلوه، ثم قام علی رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتی تندر عضوك، [21] وروی البخاری: قال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله، [22] .



[ صفحه 304]



وكتبت النجاة لسعد، وروی أنه قال بعد بیعة أبی بكر لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بایعتكم حتی أعرض علی ربی، [23] ولم یبایع سعد حتی خرج فی خلافة عمر بن الخطاب إلی الشام، وقتل فی الطریق، وروی أن الجن هم الذین قتلوه!


[1] سورة الحج آية 78.

[2] سورة الزخرف آية 41.

[3] سورة إبراهيم آية 28.

[4] رواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 138 / 2) وابن جرير والضياء بسند صحيح (كنز 173 / 13) والترمذي وصححه (الجامع 634 / 5).

[5] رواه أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه (كنز 480 / 2).

[6] رواه نعيم بن حماد والحاكم (كنز 169 / 11).

[7] رواه نعيم بن حماد وقال ابن كثير رواه البيهقي ورجاله ثقات (كنز العمال 274 / 11) (البداية 268 / 6).

[8] أنظر: مجمع الزوائد 112 / 1، المستدرك 481 / 4، البداية والنهاية 50 / 10، الإصابة 29 / 2.

[9] كنز العمال 82 / 8.

[10] مسلم (الصحيح 135 / 2).

[11] محاولة الاغتيال رواها الإمام أحمد والطبراني وابن سعد وغيرهم (أنظر الزوائد 110 / 11).

[12] رواه مسلم (الصحيح 125 / 7).

[13] رواه مسلم (الصحيح 124 / 7) وأحمد (الفتح الرباني 140 / 23).

[14] رواه البخاري ك لصلاة ب التعاون في بناء المساجد، ورواه أحمد (الفتح الرباني 331 / 22).

[15] رواه ابن خزيمة في صحيحه والبغوي وابن راهويه (كنز العمال 586 / 5).

[16] رواه أحمد بسند صحيح (الفتح الرباني 61 / 23).

[17] رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 60 / 1) والطبري (تاريخ الأمم والملوك 200 / 3).

[18] لسان العرب مادة فلت ص 3455.

[19] تاريخ الأمم والملوك 30 / 5.

[20] المصدر السابق 31 / 5.

[21] المصدر السابق 210 / 3.

[22] البخاري (الصحيح 291 / 2).

[23] تاريخ الأمم 210 / 3.